7 علامات تدل على الإصابة بالرهاب الاجتماعي

يُعتبر الرهاب الاجتماعي أحد الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعًا في المجتمعات الحديثة، ويؤثر على جودة حياة الفرد بشكل عميق، إذ يعوقه عن التفاعل السليم مع محيطه ويقيده في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والمهنية والأكاديمية. يعرف هذا الاضطراب أيضاً باضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)، ويتميز بخوف مفرط ومستمر من المواقف الاجتماعية أو الأداءية التي قد يتعرض فيها الشخص للتقييم أو الحكم من الآخرين. تختلف حدة هذا الرهاب من شخص إلى آخر، غير أن مظاهره وسلوكياته يمكن أن تكون واضحة وملحوظة في بعض الحالات. المقال التالي يقدم شرحًا موسعًا حول أبرز سبع علامات تدل على الإصابة بالرهاب الاجتماعي، وذلك بالاعتماد على الأدلة النفسية والدراسات العلمية المعتمدة.

أولاً: الخوف المستمر من الإحراج أو النقد

تُعد هذه العلامة من أبرز سمات الرهاب الاجتماعي، حيث يشعر المصاب بخوف داخلي شديد من أن يُحرج أمام الآخرين، أو أن يُساء فهمه، أو أن يتعرض للسخرية أو الانتقاد مهما كان بسيطًا. يتوقع المصاب دائمًا الأسوأ في المواقف الاجتماعية، حتى وإن لم يكن هناك ما يبرر تلك التوقعات. هذا الخوف لا يكون عابرًا أو مؤقتًا، بل يتكرر باستمرار ويؤثر على سلوكيات الفرد وخياراته.

وفقًا لدليل التشخيص والإحصاء للاضطرابات النفسية (DSM-5) الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، فإن أحد المعايير الأساسية لتشخيص اضطراب القلق الاجتماعي هو وجود خوف واضح من التقييم السلبي أو الإذلال أو الإحراج في المواقف الاجتماعية.

ثانيًا: التجنب الدائم للمواقف الاجتماعية

يميل المصابون بالرهاب الاجتماعي إلى تجنب المواقف التي قد يُطلب منهم فيها الحديث أمام الآخرين، أو التعامل مع الغرباء، أو المشاركة في فعاليات اجتماعية أو مهنية. هذا التجنب لا ينتج عن الكسل أو الانطوائية العادية، بل هو نتيجة مباشرة للقلق الشديد المصاحب لاحتمال التفاعل مع الآخرين. لذلك، يمكن ملاحظة عزوفهم عن حضور الحفلات، أو الاجتماعات، أو تقديم العروض، أو حتى مقابلات العمل.

وفي بعض الحالات، يمتد هذا التجنب إلى مواقف يومية مثل الذهاب إلى المتاجر، أو التحدث عبر الهاتف، أو الأكل أمام الآخرين. وكلما تفاقم هذا السلوك، زادت العزلة الاجتماعية وأثّرت سلبًا على الصحة النفسية والعلاقات الشخصية.

ثالثًا: القلق الزائد قبل وأثناء وبعد المواقف الاجتماعية

يعاني الشخص المصاب بالرهاب الاجتماعي من مستويات عالية من القلق قبل دخوله أي موقف اجتماعي، وأثناء تواجده فيه، وحتى بعد انتهائه. قبل الحدث، يبدأ الشخص بالتفكير في كافة السيناريوهات السلبية الممكنة، ويدخل في دوامة من الأفكار السوداوية حول ما قد يحدث.

أثناء الحدث، يكون في حالة ترقب دائم لتفاعلات الآخرين، ويبدأ في مراقبة نفسه بصورة مفرطة، ما يزيد من توتره. بعد الحدث، يعيد المصاب تحليل كل تفاصيل الموقف ويشعر بالخجل أو الذنب حيال أبسط التصرفات، حتى وإن لم يكن هناك أي خطأ فعلي.

هذا التسلسل المزمن للقلق يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق الذهني، وصعوبات في التركيز، وتراجع الأداء الأكاديمي أو الوظيفي، وقد يرافقه أحيانًا اضطراب النوم أو نوبات الهلع.

رابعًا: ظهور أعراض جسدية واضحة

تُعد الأعراض الجسدية من العلامات الشائعة لدى الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي، وتتمثل في تسارع نبضات القلب، والتعرق المفرط، والرجفة، وضيق التنفس، واحمرار الوجه، والغثيان، أو الشعور بالدوخة. هذه الأعراض تحدث كرد فعل فسيولوجي للقلق الحاد الذي يعيشه الشخص في المواقف الاجتماعية.

قد تظهر هذه الأعراض حتى قبل دخول الموقف الاجتماعي، لمجرد التفكير فيه، وهو ما يُعرف بـ”القلق الاستباقي”. وفي بعض الأحيان، تؤدي هذه الأعراض إلى زيادة القلق ذاته، إذ يخاف المصاب من أن يلاحظ الآخرون ارتباكه الجسدي، ما يضاعف من حدة الأزمة.

خامسًا: انخفاض الثقة بالنفس والشعور بعدم الكفاءة الاجتماعية

يعتقد المصابون بالرهاب الاجتماعي غالبًا أنهم غير جديرين بالقبول الاجتماعي أو أن آراءهم وتصرفاتهم ليست محل تقدير. يترددون كثيرًا قبل اتخاذ أي خطوة بسيطة مثل بدء محادثة أو الإدلاء برأيهم في نقاش عام، ويشعرون أنهم أقل من الآخرين.

ينبع هذا الشعور من أفكار سلبية راسخة حول الذات، مثل: “أنا غير مهم”، “سأبدو غبيًا”، “الناس يظنون أنني ممل”، وهي أفكار تتكرر باستمرار وتغذي شعورًا دائمًا بالنقص والدونية. في حالات متقدمة، قد تؤدي هذه الأفكار إلى الإصابة بالاكتئاب المزمن.

سادسًا: الميل إلى العزلة والاكتفاء بالتفاعلات الافتراضية

بسبب الخوف الشديد من التفاعل وجهاً لوجه، يفضّل بعض المصابين بالرهاب الاجتماعي الاعتماد على الوسائل الرقمية مثل الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي لتفادي اللقاءات الحية. في بعض الحالات، تتحول هذه السلوكيات إلى نوع من “العزلة الحديثة”، حيث ينقطع المصاب تدريجيًا عن التفاعل الواقعي مع المجتمع ويكتفي بعلاقات سطحية عبر الإنترنت.

هذا الميل إلى العزلة الرقمية قد يبدو آمنًا من الخارج، لكنه يعمّق الشعور بالوحدة ويمنع المصاب من تطوير مهاراته الاجتماعية، ما يزيد من حدة اضطرابه النفسي مع مرور الوقت.

سابعًا: التأثير السلبي على الحياة العملية والأكاديمية

يتسبب الرهاب الاجتماعي في تقييد الأداء المهني والدراسي للفرد المصاب، إذ يتهرب من فرص التقدم الوظيفي، ويرفض المهام التي تتطلب العمل الجماعي أو التقديم أمام الآخرين، ويفضل الأعمال الفردية التي لا تتطلب تواصلًا مكثفًا. كما يعاني من صعوبات في المقابلات الشخصية، مما يقلل من فرصه في الحصول على وظائف مناسبة.

أما على الصعيد الأكاديمي، فيجد الطالب المصاب صعوبة في المشاركة داخل الفصل أو تقديم العروض الدراسية، كما قد يتغيب عن الأنشطة الجامعية أو الزمالات التعليمية، مما يعيق تطوره العلمي والاجتماعي.

جدول يوضح الفرق بين الرهاب الاجتماعي والخجل الطبيعي

الأسباب المحتملة للرهاب الاجتماعي

تشير الأبحاث النفسية إلى أن الرهاب الاجتماعي ينشأ نتيجة تفاعل عوامل متعددة منها:

• العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي للقلق أو الاكتئاب يزيد من احتمالية الإصابة.

• التجارب السلبية المبكرة: كالتعرض للسخرية، أو الإهانة، أو التنمر في الطفولة.

• التركيبة البيولوجية للدماغ: وجود نشاط زائد في اللوزة الدماغية (amygdala) المسؤولة عن ردود الفعل العاطفية.

• الأساليب التربوية الصارمة أو الحامية الزائدة: التي تحد من قدرة الطفل على الاستقلال الاجتماعي.

العلاجات المتاحة

يعتمد علاج الرهاب الاجتماعي على مزيج من الأساليب النفسية والدوائية، ومن أبرزها:

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يُعتبر الخيار الأول والأكثر فعالية، ويهدف إلى تعديل الأفكار السلبية وتدريب المصاب على التعامل مع المواقف الاجتماعية تدريجيًا.

• العلاج بالتعرض: ويعني تعريض الشخص تدريجيًا للمواقف التي يخشاها ضمن بيئة آمنة ومدعومة.

• الأدوية: مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، التي تُستخدم في الحالات المتوسطة والشديدة.

• التدريب على المهارات الاجتماعية: يشمل تعليم المصاب تقنيات الحوار، استخدام لغة الجسد، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين.

• الدعم الأسري والمجتمعي: من خلال توفير بيئة مشجعة وغير نقدية تساعد المصاب على التدرج في التفاعل.

الخلاصة

الرهاب الاجتماعي ليس مجرد خجل عابر أو خفة تواصل، بل هو اضطراب نفسي معقد يترتب عليه أبعاد متعددة تؤثر في حياة الإنسان على مستويات عدة. تتطلب مواجهته تشخيصًا دقيقًا وتدخلاً علاجيًا مدروسًا، خاصة في حال أثّر على الأداء الوظيفي، العلاقات الاجتماعية، أو الصحة النفسية العامة. من المهم التوعية المستمرة بهذا الاضطراب وتشجيع المصابين على طلب المساعدة دون خجل، لأن العلاج متاح وفعّال في معظم الحالات.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th Edition (DSM-5). Washington, DC: APA; 2013.

2. National Institute of Mental Health (NIMH). https://www.nimh.nih.gov/